الأحد، ديسمبر 11، 2011

رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان



رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان :

ربما تسمعين ذات يوم أنني كففت عن حبها ، أقول لك الآن : لا تصدقي. إنني أحبها بطريقة لا يمكن أن تذوي، كتبت لها ما لم أكتبه في حياتي ومعها ومن أجلها تحدّيت العالم والناس ونفسي وتفوقت عليهم جميعاً. إن حباً من هذا المستوى لا تقبله المرأة ولكنه مع الأسف يستطيع رجل ما أن يحمله وهو يعرف هذه الحقيقة. لا فرار ولا ملجأ .*

في رسائله لغادة السمان يظهر لنا الطرف الخفي للعظماء , الطرف الذي لا يدركه إلا هم ومن ادخلوه برضا لتلك المساحة التي لم تكن تتسع لأكثر من اثنين , ولكن بعد مرور أكثر من 20 عام على رحيل غسان كنفاني شعرت غادة بأن هذه المساحة الخاصة يجب أن تفتح نوافذها للحرية وأرادت لصورة غسان كنفاني التي أصبحت محاطة بهالة من القوة والتحدي والنضال الخالي من المشاعر المرهفة ( كالحب مثلاً ! ) أن تتلون بكل حالات النفس البشرية , ( باعتبارها إكمال لسيرته الذاتية أكثر مما هيَ رسائل عاطفية )

فأظهرت رسائله وكشفت عن وجه غسان المعذب بها , غسان الذي لفرط ما أحبها لم يعد يهتم إن قالوا انه سيمل يوماً من لعق حذائها ولم يهتم بأن لا تحبه وكان جل ما يريده أن تبقى معه !

غسان الذي كان ينتصر على مغتصبي وطنه في العلن ويهزم أمامها في الخفاء

لم تورد غادة أرائها في الرسائل ولم تعلق على كلماته هيَ فقط أظهرتها , ورسائلها التي لا تعلم مكانها كما تقول بقيت حتى الآن حلقة مفقودة لفهم حب اشتعل جنوناً واستحال إكماله .

غسان رجل فلسطيني مسيحي متزوج , وغادة امرأة حرة مسلمة

من وجهة نظري الخاصة لا أعتقد بأن هذه الأسباب هيَ التي دفعت غادة لرفض

حب غسان كنفاني أو التعالي عليه , أو كما خاطبها غسان في رسائله

" لا تريدين أخذي ، تخافين مني أو من نفسك أو من الناس أو من المستقبل لست أدري ولا يعنيني. ما يعنيني أنك لا تريدين أخذي ، وأن أصابعك قريبة مني ، تحوطني من كل جانب ، كأصابع طفل صغير حول نحلة ملونة : تريدها وتخشاها ولا تطلقها ولا تمسكها ولكنها تنبض معها.

ويخاطب أخته فائزة عنها :

( أقول لك باختصار أنها جبانة، تريد أن تكون نصف الأشياء ، لا تريدني ولا تريد غيابي ، وفي اللحظة التي وصلت فيها أنا إلى انتساب كامل لها كنت أبحث عنه كل حياتي تقف هي في منتصف الميدان. )

" إنها تحبني وتخشى إذا ما اندفعت نحوي أن أتركها مثلما يحدث في جميع العلاقات السخيفة بين الناس ، وتخشى إذا ما ذهبت في علاقتنا إلى مداها الطبيعي أن نخسر بعضنا .

, إنها تحبني إلى حد لا تريد فيه أن تقوّض حياتي . ولكن من الذي قال لها أن هروبها لن يفعل؟ "

رغم كل تحليلات غسان كنفاني لعلاقته مع غادة ومشاعرها نحوه إلا أن غادة قالت قي مقدمة الرسائل (لا أستطيع الادعاء-دون أن أكذب- أن غسان كان أحب رجالي إلى قلبي كامرأة كي لا أخون حقيقتي الداخلية مع آخرين سيأتي دور الاعتراف بهم – بعد الموتوبالنار التي أوقدوها في زمني وحرفي ...لكنه بالتأكيد كان أحد الأنقياء القلائل بينهم. )

غادة لا تستطيع أن تقول دون ان تكذب بأن غسان أحب رجالها إلى قلبها !

وهنا تضح عاطفة غادة اتجاه كنفاني , غادة وإن كانت تحترمه وتكن له الكثير من المودة والامتنان وتحمل له أوطانا من الصداقة لكنها لم تكن تستطيع أن تصل معه لذروة الحب . ربما لخشيتها من استمرارها فيه او الأسرة التي ستنهار نتيجة قبولها بحبه وربما كانت بسبب شعور لم ينبته قلبها !

يتضح من رسائل غسان أن غادة حاولت الرحيل أكثر من مره ويتضح أيضا تمسكه المجنون بها ..

" لا أريد أن أنسى . ليس بوسعي أن أطمر الزهرة الوحيدة في عمري هكذا ، لمجرد أنك ذهبت ، وأن أملي في أن ألقاك هو مثل أملي في أن ألقى طفولتي .

فيا أيتها الطليقة التي حملها جناحاها إلى أرض لا أعرفها، والتي كان علي منذ البدء أن أعرف بأنها ، مثل العصافير، ستضرب في فراغ السماء وجاذبية المدى الذي لا يحده حد ، لست أطمع منك بالعودة . لقد رف جناحاك في زنزانتي وتركا في هوائها الساكن شيئاً يشبه خفق القلب، زرعا في صمتها خفقة طليقة وتركاها تغطس في وحدتها المرة.

لست أطمع منك بالعودة، فالعصافير لا تسكن أعشاشها مرتين، وحين نفضت عن ريشك كسل القرار عرفت أنا أنك لن تعودي..

ولكن كيف تركتك تذهبين؟ كيف لم أربط نفسي إليك مثلما ربط السندباد نفسه إلى ريش الرخ؟

ليس عندي، أيتها الطليقة ، يا خبزي ومائي وهوائي، إلا الندم ، وبعيداً في قراره توجد بذرة للشجرة القادمة "

كثيرون أنكروا على غادة تعاليها على حب غسان , وقليلون من فهموا صراحتها مع نفسها التي لم تستطع أن تحب غسان بكل أطوار الحب !

أليس الحب شأن القلب , وليس من حقنا أن نقذف قلب غادة بالاتهامات لأنه رفض ادعاء ما لم يشعر به , وغسان !

غسان الرجل الذي لم يستطع تقبل رفض غادة فبقي في مدارها , يدور حولها وبين يدي روحها يعود أبدا , يثرثر لها , يحكي قصص من طفولته

يحدثها عن أخر مشاريعه الأدبية , ويشتكي لها وبين هذا كله يجد متسعاً للغزل والجنون بها ..

وربما من أسباب رضاه بهذا الوضع الذي مشت فيه علاقتهما ما أورده في إحدى رسائله

" لقد استسلمنا للعلاقة بصورتها الفاجعة والحلوة، ومصيرها المعتم والمضيء. وتبادلنا خطأ الجبن: أما أنا فقد كنت جبانا في سبيل غيري، لم أكن أريد أن أطوح بالفضاء بطفلين وامرأة لم يسيئوا إليّ قط ، مثلما طوح بي العالم القاسي قبل عشرين سنة، أما أنت فقد كان كل ما يهمك نفسك فقط..".

وفي إحدى الرسائل ايضاً حكى غسان عن علاقته بزوجته الدنمركية أني

" كانت يا فائزة بعيدة عني في كل شيء. واحتجت إلى خمس سنوات كبيرة أظل مشغولاً خلالها في ردم الهوة المفتوحة بيننا، وارتكبت مرة أخرى خطأ الاحتيال : فحين عجزت عن ردمها كما ينبغي ردمتها بطفلين.

ولكنني رغم كل شيء ظللت مخلصاً للقيم التي أحترمها والتي أورثني إياها إقطاع جدي المؤمن بالفضائل حين خسر أراضيه ولكنه أصر على كسب أخلاقه ، وكنت أعرف في أعماقي أن الشراع المطوي في أعماقي سيمتلئ برياح الغربة من جديد ولكنني ظللت صامداً ، وبقسوة السكين تخليت عن حياتي السابقة في سبيلها ، كانت وما تزال امرأة رائعة ، ربما الشيء الوحيد في هذا الكون الذي أستطيع برضى لا حدود له ، أن أقدم لها حياتي إذا ما تعرضت لخطر الغياب .

أقول لك ذلك الآن رغم أنك سألتني ذات يوم وكنا وحدنا : هل أنت سعيد معها ؟ فقلت لك حاسماً وصادقاً : لا . إن الحب شيء وعلاقتي بها شيء آخر ، وهي تعرف. "

إذن هل كانت حاجته للحب هيَ احد أسباب تعلقه بغادة !

وأخيراً أشعر بأن غادة ما هان عليها أن تبقى سيرة غسان تُعاد وهيَ جنونه وعمره كما كان يكتب لها لا تجد متسعاً لها حين يذكر اسمه فنشرت الرسائل حتى تبقى جوانب حياته كاملة بين أيدي من بقي بعد غسان ومن سيأتون بعدها ..

لم ترد أن يطوى الزمن صفحاته على قصتهما بكل ما كانت تمثل من جنون لغسان . وبنشرها ستبقى قصتهما خالدة أبداً ..

أنت في جلدي، وأحسك مثلما أحس فلسطين : ضياعها كارثة بلا أي بديل ، وحبي شيء في صلب لحمي ودمي ، وغيابها دموع تستحيل معها لعبة الاحتيال. *




* للإطلاع على سيرة غسان كنفاني الأديب الفلسطيني المناضل الذي اغتاله جهاز الموساد وهوَ في السادسة والثلاثين من العمر - http://www.alsakher.com/vb2/showthread.php?t=108991
* للإطلاع على سيرة الأديبة السورية غادة السمان - http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%BA%D8%A7%D8%AF%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%86



إسراء اسكوبي


هناك 7 تعليقات:

  1. مقال جميل جدا، سلمت يداك =)
    غسان كنفاني رائع بكل حرف

    ردحذف
  2. أسعد الله أوقاتك بكل الخير ياجميلة , وشاكرة لكِ رأيك :")
    فعلاً غسان كنفاني رحل وبقي أدبه عصيّ على الموت

    ردحذف
  3. مؤثر..لكنني إحترمت قرار غادة بعدم الدخول في علاقة معه ..إحتراما لإختلاف الأديان..ولكونه متزوج ..حين كان يرغب التصرف تبعا لقلبه إختارت تحكيم العقل وحسنا فعلت ..شكرا وأدعوك لزيارة مدونتي

    ردحذف
  4. معذرة لم يكن مسيحي هو مسلم ولكنه تزوج بمسيحية تدعى آني وهذا ما ذكرته هي بالنص ((وبالمناسبة، فإنه على الرغم من كونه مسلماً ومن كوني مسيحية، فإن هذا الاختلاف في مذهبينا لم يشكل عائقا في علاقتنا، لكوننا قد تبنينا وجهة نظر واحدة في الدين.)) وكتب القصة كاملة عنه اخوه عدنان كنفااني ,,دمتم

    ردحذف
  5. بصدق دمعت عيناي وأنا أقرأ رسائله الجميلة.. كم كان نقياً في حبه.. محظوظة هي غادة بهذا الحب وبهذا الرجل

    ردحذف
  6. ليس لي قصد سيء بكلامي هذا ، لكن غسان مسلم ، ولعل أسوأ ما فعله في عمره ارتباطه شعوريا بالزفتة غادة ، وفي وصفي لغادة أنا أتعمد أسوأ معنى ممكن !

    ردحذف
  7. غسان كنفاني مسلم ...وهو حامل للوجع الفلسطيني بكل صورة
    لم يكن ذنبه ان احب من لم تعرف كيف تصون حبه

    ردحذف