الاثنين، سبتمبر 28، 2009

تِلكَ العتّمة البَاهِرة - الطاهر بن جلون


نَحيا في وسط " الضوء "

لا يخطر فيِ بالِ أحدنا يوماً أنه يوجد من يتنفس العتمة بيننا أو بِالأصح .. " تحتنا " !

لِأي مدى قد تصل قسوة الإنسان بأخيه الإنسان ؟!

ماذا ستقدم الحياة لهؤلاء حتى يعودوا كما كانوا يوماً ما .. ؟!

حقاً أعجوبة ومعجزة أن يبقى بين 23 معتقل أربعة فقط أحياء أو شبه أحياء فيِ معتقل كهذا .. فيِ حفرة خصصت لهَا الأموال من ميزانية الدولة حتىَ يأتيِ الموت بطيئاً , بطيئاً جداً , لِيموت المعتقلون ولا يموتون !

تباً لكل ألم لا يشبه ألمهم

ولكّل صبر لا يشابه صبرهم

وعذراَ لكل روح حبست في " العتمة "

ولم ندرك ذلك , ولا حتّى بمجرد شعور بِـ" الأسى " !!

أكرم الله أرواحكم الطاهرة بجناته معتقلي " تزمامرت " وكل مايشبههـُ !

( أَحَبّ الوطن الذيِ احتضن صرخات طفولته ألتحق بأكاديمية عسكرية ليخدم الوطن وفجأة وجدَ نفسه وجهاً لوجه أمام الملك يحمل سلاحاً !تورط مثل أصدقائه بمحاولة انقلابية فاشلة قادها قائد المدرسة العسكرية ( هرمومو ) التي ينتميِ إليها دونَ أدنى علم بها منه لِسوء الحظّ قُدرّ لهُ النجاة من الموتالذيِ غطى " الصخيرات " في ذلك اليوم حكم عليه وزملائه بالسجن خمسة سنوات في السجن العسكريِ, وأنتهت قضيته أمام العامة هُنا ! لكنّ مالم يكن يعلمهُ الكثير أنهُ هُربّ وزملائه الناجين بعدَ عامين فقط إلى معتقل " تزمامرت " الرهيب الذيِ لا يعلم بأمره إلا القليل , وقضىَ ثمانية عشرة عاماً من العذابات والأهوال فيِ العتمة ! )

هذهِ هيَ القصة العامة لكلّ الناجين بأعجوبة من معتقل " تزمامرت " في " تلك العتمة الباهرة " يصف الطاهر بن جلون كل لحظة من العذاب على لسان أحد الناجين أسطر كثيرة مزدحمة بالأوجاع , بالهموم , بالحيرة من بنيِ البشر !

الرواية أجمل وأفظع من قدرتيِ على الكتابة عنّها

سأقتبس بعض المقاطع :(

" أعطني القُدرة على أنْ أنسى، أنِ أستنكر، أنِ أرفُضَ أنِ أرُدّ على الحقدِ بالحقد. اجعلني في مكانٍ آخر. أعِنّي على أنِ أخرُج، لُطفاً، من جسدي هذا الذي ما عادَ يُشبِهُ جسداً، بلْ رُزمة عظامِ مُشوّهة."

" أعطني القُدرة على أنْ أنسى، أنِ أستنكر، أنِ أرفُضَ أنِ أرُدّ على الحقدِ بالحقد. اجعلني في مكانٍ آخر. أعِنّي على أنِ أخرُج، لُطفاً، من جسدي هذا الذي ما عادَ يُشبِهُ جسداً، بلْ رُزمة عظامِ مُشوّهة. "

" أعطني القُدرة على أنْ أنسى، أنِ أستنكر، أنِ أرفُضَ أنِ أرُدّ على الحقدِ بالحقد. اجعلني في مكانٍ آخر. أعِنّي على أنِ أخرُج، لُطفاً، من جسدي هذا الذي ما عادَ يُشبِهُ جسداً، بلْ رُزمة عظامِ مُشوّهة. "

" إن أكثر الأمور الاعتيادية تفاهةً، تصبح في المحن العصيبة، غير اعتيادية، لا بل أكثر ما يرغب فيه من أمور الدنيا. "

" التذكّر هوَ المَوْت. لقد استغرقني بعض الوقت كَيْمَا أدركُ أنّ التذكّر هوَ العدو. فمن يستدعي ذكرياته يمت توّاً، بعدها، كأنّهُ يبتلِعُ قُرصَ السّم. ولكن، كيفَ لنا أن نعرف أن الحَنينَ في ذلك المكان يُؤدي إلى الموت؟

" هُناكَ أنماطْ من الصّمت: - صمتُ الرفيق وكانَ ضرورياً لنا.

- الصّمتُ الذي تلزمُهُ شارةَ حدّاد

.- صمتُ الدّمِ الذي يجري مُتباطئاً.

- الصمتُ الذي يُنبِئنا بوِجهةِ سيرِ العقارب.

- صمتُ الصّور التي تُلحّ وتُلحّ على أذهاننا.

- صمتُ الحُرّاس الذي يعني الكلل والروتينْ.

- صمتُ ظلّ الذكرياتِ المُحترقة.

- صمتُ السّماءِ الدّاكنة التي تكادُ لا تُهدينا ولوْ علامة واحدة.

- صمتُ الغياب غيابُ الحياة الباهِر.

أمّا الصمتُ الأشدّ قسوة، والأشدّ وطأة، فكانَ صمتُ النّور. صمتٌ نافِذٌ وَ مُتعدّد. "

" أماه , اشعر بأنك حزينة . قولي لي في سركإنني مسافر , انني رحلت لإكتشاف عالم مغلقّ وهآنذا اكتشف نفسيِ وأدرك بمضي كل يوم من أي طينة جعلتني . إنني ممتن لذلك . أقبل يديك , آسف من كل قلبي للسوء الذي سببته بتورطي في هذهِ القضية . ولكنكِ تعلمين جيداً أن احداً لم يصغ إلى رأي التلامذة والرتباء . كنا نرتاب بأن هناك مايعد له سراً , غير أننا فعلنا ماينبغي أن يفعله الجنود وتبعنا قائدنا . لكِ أستطيع أن اقول هذا لأنني اعلم انك تصدقين ما أقول : لم أقتل احداً . لم اطلق رصاصة واحدة . كنت مذعوراً أصوب سلاحي باتجاه الناس . أعترف لك بأني كنت ابحث عن أبي . ولا أدري ان كنت افعل لكيِ أنقذه من المجزرة أم لكي أطلق عليه النار . هذا السؤال صار هاجسيِ . إنه يتردد في رأسي بإلحاح . وإن كنت اكرر ما سبق أن قلته فلأنه ينبغي أن ادور حول ذاتي ( يجب أن اتركك يا أمي الغالية , أسمع صراخ ألم .... ) "

" إنّي أصلّي كثيراً، أُصلّي إلى الله بُغيةَ أنْ أصرِفَ نفسي عن العالم.........إنّي لا أُصلّي من أجلي، وَليسَ رجاءً بشيْء، بلْ دفعاً لشقاءِ البقاءْ. أُصلّي دفعاً للقنوطِ الذي يُهلكنا، هكذا يا عزيزي رشدي، تكونُ الصلاة هِيَ المَجّانية المُطلقة. "

بعدمَا رأى سليم الشخصية الرئيسية في الرواية وجههُ لأول مرة بعد ثمانية عشر عاماً :(

" سوف يكون ذلك اليوم تاريخياً في حياتي : ففيما كنتُ أستلقي على كرسي طبيب الأسنان المتحرك ، أبصرت شخصاً ما فوقي . من كان ذلك الغريب الذي يحدق بيَ ؟كنت أرى وجهاً مُعلقاً بالسقف . يُكشّر حين أُكشّر ، ويقطب حين أقطب ، كان يهزأ بي .لكن من يكون ؟ كدت أصرخ لكنّي تمالكت نفسي . فمثل تلك التهيؤات مُعتادة في المعتقل ،لكنّي هناك لم أكُن مُعتقلاً . فكان علي أن أذعن لتلك البداهة المكُدرة : إنّ ذلك الوجه ، المثلّم ، المجعوك ، المخطط بالتجاعيد والغموض ، المذعور المرعب ، كان وجهي أنا .وللمرة الأولى منذ 18 عاماً أقف قبالة صورتي . أغمضت عيني ، أحسست بالخوف .خفت من عيني الزائغتين ،من تلك النظرة التي أفلتت ، بمشقّة من الموت ،من ذلك الوجه الذي شاخ وفقد سيماء إنسانيته .حتى الطبيب لم يُخفِ دهشته . قال لي بلطف :- أتُريدني أن أغطي هذهِ المرآة ؟- لا ، شُكراً . سيكون علي أن أعتاد هذا الوجه الذي حملته من دون أن أدرك كيف تغير ."

" كانت ولادتي هيَ ايضا محنة إذ بدوت كعجوز ضامر قد رأى النور لتّوه . فقدت أربعة عشر سنتمتراً وحظيت بحدبة . أصيب قفصيِ الصدري بتشوهات وانخفضت قدراتيِ التنفسية "

" مولود جديد عليه التخلص من ماضيه ! قررت ان أكف عن استذكار أي شيء . لم أعش خلال عشرين عاماً , وذاك الذي كان موجوداً قبل العاشر من تموز 1971 قدّ مات ! ودفن في مكان ما , في جل أو منبسط معشب كيفَ السبيل لأن أفهم من حوليِ انيِ كائن جديد نال منه التلف جراء الرحلة , ولا صلة لهً بمن ينتظرونه , بذاك الذيِ رأوه مغادراً ذات يوم ولم يعد ؟! "

يقول احمد منصور في مقابلته مع أحدى الناجين على قناة الجزيرة " غلبتنيِ انسانيتيِ كثيراً , حاولت ان اكون مجرد محقق صحفيِ أبحث ولم استطع كنتُ كثيراً ما أختليِ بنفسيِ وابكي من هول ما اشاهده , ماكنت اتمنى وأنا أسجل معك أن يحدث شيء من هذا الذيِ كان يحدث ليِ "

وستحتاج انتَ لكثير من الإختلاء بنفسك بينَ صفحات الرواية ..

عذراً كانت مجرد قراءة انطباعية بسيطة لا ترقىَ أبداً لحجم " تلك العتمة الباهرة " الممتلئة بكل شيء !

* الغريب في كل الرواية الواقعية أن ورقة وقلم هيَا سر نجاتهم بعدَ الله من تزمامرت :)


هُنا شهادات أحمد المرزوقيِ الناجيِ من معتقل تزمامرت هيَ " العتمة الباهرة " على لسان احمد المرزوقيِ

http://www.youtube.com/watch?v=1-MhOJIZeNY

أكثر ماأثارنيِ في حديثه أنّه اثناء الإنقلاب أنقذ أحد الأطفال وسلمه لخادمته , وأكتشف فيما بعد أنّه أنقذ ولي العهد الأمير محمد الذي اصبح ملك المغرب فيما بعد ( محمد السادس ) ... :) !

عن الكتاب

تلك العتمة الباهرة - الطاهر بن جلون

إصدار دار الساقي

تقع في 223 صفحة

بسعر 29 ريال سعودي .

تحيتّيِ ودمتم بكثيير مِنّ الضيَاء (f)

هناك 5 تعليقات:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    استمعت بقراءة مادونتة هنـا

    يبدو لي ان الكتاب أكثر من رائع ..

    شكراً لك

    (f)

    :

    ردحذف
  2. رواية كئيبة جدااا..
    بعدها والسجينة والبوابة السوداء
    لاطاقة لي في قراءة ادب السجون..
    لاطاقة لي..برؤية الجانب الأكثر بشاعة من الحياة
    من الإنسان..

    عرض ألِق..يا إسراء
    كل الود (F)

    ردحذف
  3. فاطمة ~
    رائع جداً وبهِ كمية غير قليلة من الألم :)

    طبتِ ياجميلة , حضور مترف يعنيِ لي الكثير (f)

    زهرة تعانق وجودك .

    ردحذف
  4. غربة ~

    بالفعل :( , وأنا اقرأ لم يفلت قلم الرصاص من يديِ , كلما مررت بجانب مقطع مؤلم رسمت بقربه سواداً يشاببه :( لم اتصور يوماً مثل هذهِ الفظاعات
    مقارنة مع السجينة تعتبر تلك العتمة الباهرة أكثر شاعرية لذلك كانت اختياري :)

    ممتنة كثيراً يا غربة وسعيدة بوجودك حقاً
    يزهر الياسمين بأثرك يانقاء
    كل الحبّ , وكونيِ بخير (f).

    ردحذف
  5. كمية من الحزن تثقِل مجموعة اوراق , قرأتها في ايام و ظلت اسابيع هاجسي ,,
    و كمية اخرى من الضوء اجتمعت في مدونتك ,
    هنيئاً لك

    ردحذف