الأربعاء، أغسطس 25، 2010

رحل غازي !



وأنـتِ!.. يـا بـنت فـجرٍ في تنفّسه
مـا فـي الأنوثة.. من سحرٍ وأسرارِ

مـاذا تـريدين مـني؟! إنَّـني شَبَحٌ
يـهيمُ مـا بـين أغـلالٍ. وأسـوارِ *


لم تكن شبحاً ابداً , كنتَ حلماً , كنتَ املاً ابنيه بسنوات العمر , كنت غاية , كنت وكنتَ وكنتَ
لكن يد الموت كانت اقرب من كل احلاميِ الشاهقة , اكبر من امالي التي بنت عشرون طابقاً ولم تصل إليك , ولن تصل ابداً إليك !
ما معنى أن ترحل ؟
أن تبقى تثرثر وتضحك وتعاتب وتثور في مكتبتيِ , وتسكن هناك ؟
مامعنى أن ادعو الرب أن يحميكَ ويحفظك لكل جميل بكونك , وفي صباح أخر اتمتم بذهول بعد اسمك رحمك الله , رحمك الله !
ياه كم هوَ مؤلم رحيلك , وكم كان مؤلماً تلقيه بعد ان كانت كل المشاعر مستنفره تدعو لكَ بطول العمر
كم كان مؤلماً ان يرحل شخص لم يكن يترك يوماً يمر عليه دون اثر , من للأيام بعدك يملؤها ؟
ومن للقصص بعدك يكتبها ؟ من للأحداث الكثيرة ؟ للضحكات ؟ للأحلام ؟ للشباب ؟ لوطن اضيء بك ؟!

روايتك الأخيرة رحلت دون أن تراها أمامك في صورتها الأخيرة , انهيتها واسميتها ورحلت
" الزهايمر " هكذا سيكون طفلك الأخير الذي حبلت بهِ افكارك اشهراً , ولن يراك
اخترت ان يَكتب بطلها يعقوب العريان الرسائل لرفيقة عمره وهو يتلقى العلاج في مشفى امريكي, على ان لا تتلاقها إلى بعد وفاته ..
وهكذا نحن بعدك , وكأنك تشعر باأننا ايضاً لن نتلاقها إلى بعد وفاتك ,

ما اشبه قصصك بِك , هل كنت تختبيء خلف يعقوب العريان ؟
هل موهت السرطان بالزهايمر ؟
هل فكرت كم سنكون ممتنين لأنكَ ولأخر ايامك تهتم بحكاياتنا ؟
رحمك الله , رحمك الله ..

وماحكاية يعقوب العريان ؟
يعقوب العريان الذي كان مصاباً بالزهايمر هنا و يعقوب العريان الذي احب روضة هناك , في حكاية حب ورجل جاء وذهب , لايجمعهما إلا الموت , كلاهما تنسل ارواحهم في الرواية , وبطلك بشار ايضاً يختفي في العصفورية , وجميعهم مريضون , يعقوب مصاب بالسرطان , يعقوب مصاب بالزهايمر , بشار يقضي جل وقته متنقلاً في المصحات , هل كنتَ تشي لنا دون ان ندرك بأنك ستتركنا بعد مرضٍ مذهولين في وسط حكاية !

العصفورية , من يصدق اني لم انهيها إلا البارحة
منذ اشهر بدأت بها , ممتعة جداً وكلما لاحظت اني بدأت اقترب من النهاية خففت من قراءتي
او ابعدتها عني , والبارحة فقط وانا اعلم انه لم يتبقى إلا صفحات قليلة انهيتها , ضحكت معكَ كما في كل قراءة لكن هذه المرة كانت كل ضحكة تنتهي بدمعة , لا اصدق اني بدأت بها وأنتَ حي ترزق وانهيتها وأنتَ تحت الثرى , رحمك الله ووسع لك قبرك وجعله روضة من رياض الجنة ..

بشار في العصفورية ساخر لأبعد حد , صادق كثيراً
يثرثر كالمجنون وفي عمق جنونه تنصب مشاكلنا وهمومنا واحلام لاتجيء لأمتنا ..
أبو حسيد أو المتنبي يقفز بين سطر وأخر يلقيِ بيتاً تثور ضحكة أو ترتسم بسمة , لم احب المتنبي إلا من خلالك , ويبدو انك احببته كثيراً
لحد جعلك تحاكيه وتلقي رسالتك الأخيرة أمام سيف الدولة , رسالتك التي كلفتك منصبك كوزير في وزارة الصحة , نشرتها في جريدة الجزيرة في 1984م , فسحبت اعداد الجريدة من الأسواق , اقلت انتَ من منصبك واقيل خالد المالك من رئاسة تحرير الجريدة , يقولون انك سجنت ايضاً ويستدلون بهذهِ الأبيات في قصيدتك الموت حباً

أوّاه ! حٌبكِ في روحي يطاردني
يسومــني شوكة والسوط والحزنا
أعيش فيه معــــــــــاناتي مؤبدة
لا ينتهي زمــــــــنا إلا حدا زمنا
أعد في السجن أيــــامي وأعشقها
يا سجن! هل ثم قبلي عاشق سُجنا

أضيقُ بالقيد لكني أقبلـــــــــــــــهُ
ورب قيدٍ على عبدٍ بكـــــى و حنا


هل صحيح انك سجنت ؟! أينكَ تجيب في هذا السكون ....

وكيفَ كانت السفارة في البحرين بعد صخب وزارة الصحة , ذكرت في كتابك الأصفر " حياة في الإدارة " انها كانت مريحة جداً , مليئة بالدعوات والزيارات , يالله كم هيَ محظوظة هذه البحرين بحبك , واحتضان طفولتك وشبابك , كم غنيت لها من قصائد وكم شيدت لها من طمأنينة , في قصيدتك " اغنية حب للبحرين " يحقّ لكل عاصمة أن تغار , ولكل مكان أن يتمنى لو كان سمراءُكَ البحرينية ودانتكَ المعشوقة

بحرين ! هذا أوان الوصل فانسكبي ــــ عليّ بحرين من دور ومن رطب
تنفسي في شجوني .. وادخلي حرقي ــ واسترسلي في دمائي .. واسكني تعبي
وسافري في عيوني يا معذبتي ـــ بالهجر .. يا ظمأى المعطاء .. يا سغبي
يا فرحتي .. ورياح اليأس غاضبة ـــ يا نشوتي .. حين يذوى موسم العنب
يا ضحكتي والدموع الحمر تعصرني ــ يا واحتي وهجير القفر يعبث بي .


لِمّ تتغزل هكذا في الأماكن ؟ وتجعلها تتباهى بِشعرك كأجمل النساء ,
الستَ انت من قلت مغازلاً جامعة الملك سعود في " بنت الرياض "

فما تصباك إلا الطهر يا امرأة
تجسد الطهر فيها كيفما شاء


الا يحق لإناث الأرض أن تغار !

هل كانت تستحق الجامعة كل هذا الحب منك ؟!
لا أزال اذكر والدتي عندما كرمت بوسام المعلمة المتميزة واختيرت لتلقي كلمة المعلمات المميزات على مستوى المنطقة , اذكر تماماً تلك الورقة التي اندهش كل من قرأها وأشاد بأختيارها !

عـلى الدفــاتـــر خلفـت الصبــا نتفـــا
وفي الفصــول تركــت القــلــب أجـزاء
على الطباشير شئ من دمي ..عجبا
تبدو الطباشير رغم الجرح بيـــضـــاء !!


يالروعتك ياغازي

ذكرت في كتابك الأشهر " حياة في الإدارة " بدايتك مع جامعة الملك سعود وماسبقها من بدايات الدراسة في البحرين ثم مصر وماتلاها متنقلاً بين العمل الأكاديمي والسياسي والدبلوماسي , من كلية الآداب في جامعة الملك سعود إلى السكك الحديدية ووزارة الصناعة والكهرباء ووزارة الصحة وسفارة البحرين , محاربتك البيروقراطية , إضافتك للتفاصيل الصغيرة كإهداء صورة للمولود حال ولادته مع اهتمامك بالتفاصيل المهمة مثل تلقي بريد الوزارة بنفسك وإجابتك على مكالمات الجميع بنفسك ! هجوم رواد الصحوة عليك بلا مبرر وسخريتك من عقد لجنة برئاسة الملك فيصل رحمه الله لتحليل قصيدتك معركة بلا راية , الاجتماع الصباحي للموظفين , الشهرة التي نلتها وأثارها عليك , الانجازات التي تركتها خلفك والمعوقات التي صادفتك في الطريق , هذا الكتاب جعلنيِ احب وادهشّ بغازي الوزير كما دهشني من قبل غازي الشاعر , جعلني افتخر اكثر بإنتمائي لبلد انجبك , وبمعاصرتي لوزير مثلك , عندما انهيته لم املك إلا ان اقبل اطراف الكتاب بإمتنان عظيم لشخص اوجده , كانت القبلة لجبين هذا الفكر وعطاء يجود بهِ ..


هل لي ان اترنم بك ؟ :

يا أنتِ ! ياغزالة
مصنوعة من خفر
فاتنة .. كوردة
حاضرة .. كعنبر
آمرة .. كهمسة
ناهية .. كخنجر
مثيرة .. كوعد
مغرية .. كسكر
يا أنتِ ! من ألقاك في
الدرب .. وألقى عمري
صبية مشغوفة
بكهلها المندثر



لم رحلت هكذا ياغازي ؟
لم انتظرتني ابلغ عمري الذي اشتهيت بلوغه بسببك ورحلت ؟

وأنتِ !
بأعوامك العشرِ والعشر
كيف اخزنتِ علوم جميع النساء
كما تخزن الشمس
عِلم الطلوع ؟!

كأنكِ عبر السنين تعلمتِ
من كل " ليلى " الدلال
ومن كل " فينوس " كيف
تصير الشفاه
كنارِ الشموع

وهاهيَ ذي ساعة الموت شعراً ..
وغيثاً حزيناً يحاول أن يتجلد
يرفض أن يتقمص شكل الدموع

أأصمت أم اتكلم ؟!
صمتي ثقيل ومر ..
كلامي ثقيل ومر ..
ولليوم طعم ثقيل ومر ..
كطعم الخنوع

إذن !
انهض الآن ..
أمشي إلى الباب , افتحهُ بهدوء وأرحل
لاتجرئين ولا أنا
أن نتسائل :
" كيف وأين يكون الرجوع :( ؟! "


إسراء اسكوبي

من مشاركتي بموضوع في منتدى الإقلاع




هناك تعليقان (2):

  1. الله ما اروع هذا الاحساس المرهف

    وهذا الاسترسال البليغ

    وهذه العذوبة الجذابة

    لله درك

    والى المزيد من الابداع

    ردحذف
  2. أواه أواه
    ذكرتني برثاء نزار في ولده
    فموتك يا ولدي نكتة ...

    وأنا أقول /
    فموتك يا غازي نكتة !
    وقد يصبح الموتُ أقسى النكات !!

    - أجدني أؤيدك في استنتاجاتك التي توصلت لها ،،
    فكأن يعقوب العريان هو هو غازي القصيبي خاصة في الزهايمر !!

    كتبتِ فأوجعتِ تارة ،
    وحلقتِ بنا بعيدًا تارة ،
    واثرت الشجون تارة ،،
    لله أنتِ من وفية صادقة !

    دمت ودام النبض الفريد :))

    أحمد الشامي

    ردحذف