مًتعبة كثيراً ياجدي
وهذا اليوم كان طويل , طويل لدرجة أنني لم اتوقع له نهاية !
قبل أربعة وعشرين ساعة فقط كان لايزال قلبك الحبيب ينبض , وقبلها بأربعة وعشرين ساعة كنت لاتزال تعي بعض حديثنا وترد على بعضه , كيف مت فجراً , كيف اجتمعت العائلة صباحاً وغسلوك ظهراً وصلوا عليك عصراً واستقبلنا بك العزاء بعدها !
أنا أعرف ياحبيبي وأعي أن الشخص المريض في المشفى والذي تألم طيلة شهرين وبقي في العناية المركزة طيلة ثلاثة أسابيع توفي , لكن يصعب علي أن اعي بأن ذلك الشخص المريض المتوفي هو نفسه من أحببته شامخاً قوياً طيلة واحد وعشرون عاماً تنفست بها على هذه الأرض !
لحظات قليلة هي التي استطاع بها قلبي المكلوم ربط ذلك , حين نطق الإمام " الصلاة على الرجل رحمكم الله " , حين رأيت البارحة صباحاً الجسد الذي توقف نبضه وأنعشوه بصعوبة وأضافو له عشرات الأجهزة الجديدة علمت أن الرجل الذي احببته رحل ولن يعود وأن ماهو أمامي سيرحل كذلك قريباً وفي كل الأحوال لم يكن يشبه شيئاً مما كنت أنت عليه ياحبيبي لذلك حين حاولت رؤيته مرة أخرى مساءً لم استطع , وبقيت أنتظر والدي عند ممر العناية المركزة ولم أستطع تقبل أن يكون أخر ما اراك به يا أميري تلك الحال !
وفعلاً بعد ساعات رحل ذلك الجسد لاحقاً بكل مارحل منك قبل ذلك ..
أنا متعبة جداً وأكتب لك لأحاول استيعاب رحيلك , لأحاول تصديق بأن الساعة ستشير للعاشرة والنصف مساءً ولن نستعد لإستقبالك بعد عملك وتجهيز العشاء ثم التجمهر عند الباب لإلتقاط يدك أولاً ونعيم دلالك
أحاول تصديق بأن بعد كل هذا العمر الذي عشته وأنا اسمع من يناديني ويدللني ويربيني بكلمة " يا أميرة " لن اسمعها مرة أخرى
وإن سمعتها لن تكون بصدقك وإصرارك وحنانك !
هل تعلم ؟ أنا نادمة جداً بأني لم أخبرك ماذا كتبت بقصة نجاحي التي طًلبت مني بعد ترشيحي لجائزة القيادية الشابة , كانت قصة طويلة كلها تدور عنك وعن رسمك لرؤيتي بكلمتك البسيطة الصادقة , كنت أميري الذي ما أنفك يناديني أميرة طيلة حياتي ويكتب لي الأشعار ويدللني كالأميرات , ويجبرني ويشجعني لأكون الأميرة التي يحب .. , هل تعلم ؟ أنا لن أفقد فقط مناداتك لي يا أميري , أنا سأفقد وطناً كنت تجعلني على عرشه
اليوم وأنا ادعو لك دعوت بعفوية أن يدللك الله بما تحب كما كنت تدللنا
وأن يناديك بأحب اسماءك كما كنت تنادينا
ويكرمك كما كنت تكرمنا
ويرفع شأنك كما كنت ترفع شأننا
من كان يداعبني بـ " بعيدة مهوى القرط " كلما رأى قرطي طويلاً متدلياً على رقبتي , من كان يثني علي وإن لم أكن أستحق ليجبرني على أن أكون بحجم ذلك الحب والثناء
من كان حضنه يغمرني حين أحتاج إليه دون أن انطق أو المح بشيء !
من الذي يوصيني بالدكتوراه ؟
من الذي يدللني , يقبل يدي ويناديني بأرق نداء !
من الذي يبادلني رسائل الهاتف المفعمة بالحب والحنان !
من الذي يقرأ ما أكتب ويجعل كل حرف لي يكاد يحسد نفسه على ما يأتيه من إطراء وتشجيع وتوجيه !
من الذي لن يؤذيني أو يجرحني أو يغضب علي أو يجعلني أغضب منه ولو قليلاً سواك !
من الذي يقطع لنا الفاكهة ويناولنا إياها ويصر على أن نأكلها , تلك الفاكهة السحرية التي تتحول لشيء لذيذ جداً لايمكن أن تصبح مثله في يد سواك !
فعلاً حتى الآن أحتار في لذة الفاكهة بيديك !
هل رحل كل ذلك حقاً ؟؟
أرجوك زرني في منامي وأخبرني بأنك لن تعود وبأنك بخير وبأنك لن تقطع وصال الأرواح
أرجوك يالله طمني عليه واجعلني أستوعب ذلك ..
ذات حصة تعبير في المرحلة المتوسطة طلبت منا الأستاذة لقاء صحفيِ مع أي شخصة عظيمة بنظرنا , كنت أول من تبادر إلى ذهنيِ لأني لم اعرف بحياتيِ الطفولية عظيماً سواك وإلى الآن لم أعايش عظيما يشبهك!
كتبتْ لك بورقه صغيرة اسألتي وأجبتني بجدية وبورقات كبيرة كما تجيب صحفية حقيقية كم شعرت بالفخر بك وقتها وإلى الآن لا ازال احتفظ بأوراقك تلك ! الأوراق التي تحكي متى ولدت وبأي قرية جميلة من فلسطين كان طفولتك , كيف أصبحت يتيماً وكيف أتت الحرب وكيف سكنت هذا البلد الطاهر ..
دوماً أعتبرتك رمزي الخالد ورؤيتي لهذه الحياة , ولأنك كذلك مافكرت يوماً بأنك قابل للرحيل !
اليوم أخبرت بنات خالي كيف أني لا احتفظ بأي صورة لي معك ولم أفكر حتى بذلك قبل هذا !
لأني دوماً ياشامخي ظننتك باقي مابقيت أنا ومابقيت تلك العائلة التي أنت أساسها وروحها وريحانها !
لذلك تقبلت بصعوبة مرضك , وكنت أغضب جداً ممن كانوا يدعون لك في أيام مرضك الأولى بـ " أحييه ان كانت الحياة خيراً له وأمته إن كان الموت خيراً له " وأخبرهم بأنك ستشفى وستعود بيننا ولاداعي لذلك !!
في أول يوم دخولك للعناية المركزة فُجعت بتدهور حالتك وشعرت بالموت متربصاً بك وبنا , فأخبرتك بإني لن أسامحك إن تركتني ورحلت لذلك تماسك من أجلنا ! وحين استعدت وعيك جيداً خفت كثيراً بأن تكون سمعتني وأدركت ماقلت وغضبت مني !
لم اجرؤ على سؤالك ولم تسألني أنت لكن بقيت أراقب حديثك لي ولم ارتح إلى حين سمعتك تناديني من جديد " يا أميرتي , ياحبيبة سيدها "
البارحة حين رأيتك بعد ثلاثة أسابيع من التدهور في العناية المركزة والأخبار السيئة والألم والنوم على كابوس الهاتف الذي يدق ويحمل اخباراً سيئة وبعد ساعات من جلطة جديدة وإنعاش لقلبك الذي توقف ونزيف مستمر , اخبرتك بأني سأسامحك إن رحلت , وليريحك الله
وخرجت باكية متذمرة من تلك الأجهزة التي لاتفعل شيئاً سوى إطالة عذابك راجية إياهم نزعها !!
فعلاً أنا الآن أسامحك , وأعرف بأنك ارتحت وأنك إن شاءالله لدار خيراً من دارنا وأهل خير منا
لكن فراقك صعب , ومحاولة تحمل ذلك واستيعابه أصعب , أرجوك زرني وساعدني , يارب اجعله في فردوسك وأنس وحشته واجعل قبره روضة من رياض الجنة واجمعنا به في جناتك وهون علينا وصبرنا واجبر كسرنا ..
يالله كُسرت فأجبرني .. يالله كُسرت فأجبرني ..